علي ذلك ولهم سيئات كثيرة. فالذي قالها بيقين وصدق تام: إما أن لا يكون مصرا على سيئة أصلا، أو يكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه رجح حسناته.
والذين دخلوا النار قد فات فيهم أحد الشرطين، إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التام المنافي للسيئات أو لرجحانها علي الحسنات، أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت علي حسناتهم فضعف لذلك صدقهم ويقينهم، فلم يقولوها بعد ذلك بصدق ويقين يمحو سيئاتهم، أو يرجح حسناتهم.
فقول السلف في قوله {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[الأنعام: ١٦٠] وقوله: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}[النمل: ٨٩] هي قول: لا إله إلا الله كما قالوا وكما بين ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قالها بصدق ويقين ومات علي ذلك، فإن هذا يكون قائمًا بالواجب، وتكون حسناته راجحة، والسيئة التي من جاء بها كبّ وجهه في النار هي الشرك، فإن الله لا يغفر أن يشرك به، والموجبتان: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ومن يشرك به شيئًا دخل النار.
وكثير من الناس، أو أكثرهم يدخل في الإيمان والتوحيد، ثم ينافق من جهة كسب الذنوب ورينها على القلوب، أو يدخل في نوع من الشرك والنفاق.
والشرك نوعان: أكبر، وأصغر. فمن خلص منهما وجبت له الجنة، ومن مات على الشرك الأكبر وجبت له النار، ومن خلص من الأكبر وحصل له بعض الأصغر مع حسنات راجحة علي ذنوبه دخل الجنة، فإن تلك الحسنات هي توحيد كثير مع يسير من الشرك الأصغر، ومن خلص من الشرك الأكبر، ولكن كبر شركه الأصغر حتى رجحت به سيئاته دخل النار.
فالشرك يؤاخذ به العبد إذا كان أكبر، أو كان كثيرا أصغر، فالأصغر القليل في جانب الإخلاص الكثير لا يؤاخذ به، والخلاص من الأكبر ومن أكثر الأصغر