شفع فيَّ أفراطي"، ونحو ذلك. وأما الأموات فلا يُطلب منهم شيء، لا الشفاعة ولا غيرها، سواء كانوا أنبياء أو غير أنبياء؛ لأن ذلك لم يشرع، ولأن الميت قد انقطع عمله إلا مما استثناه الشارع.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع، أو ولد صالح يدعو له".
وإنما جاز طلب الشفاعة من النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته ويوم القيامة؛ لقدرته على ذلك، فإنه يستطيع أن يتقدم فيسأل ربه للطالب، أما في الدنيا فمعلوم، وليس ذلك خاصًا به، بل هو عام له ولغيره، فيجوز للمسلم أن يقول لأخيه: وليس لي إلى ربي في كذا وكذا، بمعنى: ادع الله لي، ويجوز للمقول له ذلك أن يسأل الله ويشفع لأخيه، إذا كان ذلك المطلوب مما أباح الله طلبه.
وأما يوم القيامة فليس لأحد أن يشفع إلا بعد إذن الله سبحانه، كما قال الله تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[البقرة: ٢٥٥].
وأما حالة الموت فهي حالة خاصة لا يجوز إلحاقها بحال إنسان قبل الموت، ولا بحاله بعد البعث والنشور؛ لانقطاع عمل الميت، وارتهانه بكسبه إلا ما استثناه الشارع، وليس طلب الشفاعة من الأموات مما استثناه الشارع؛ فلا يجوز إلحاقه بذلك، لا شك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته حي حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء ولكنها ليست من جنس حياته قبل الموت، ولا من جنس حياته يوم القيامة، بل حياة لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله سبحانه؛ ولهذا تقدم في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام: ما من أحد يسلم علي إلا ردّ علي روحي حتى أرد عليه.
فدل ذلك على أنه ميت، وعلى أن روحه قد فارقت جسده، لكنها ترد عليه عند السلام، والنصوص الدالة على موته - صلى الله عليه وسلم - من القرآن والسنة معلومة، وهو أمر متفق