للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن النوع الأول ما رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من سعادة ابن آدم استخارته لله ورضاه بما قسم الله له، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارته لله وسخطه بما يقسم الله له".

وأما الرضا بالمنهيات من الكفر والفسوق والعصيان فأكثر العلماء يقولون لا يشرع الرضا بها، كما لا يشرع محبتها، فإن الله سبحانه لا يرضاها ولا يحبها، وإن كان قد قدّرها وقضاها كما قال سبحانه: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (٢٠٥)} [البقرة: ٢٠٥]، وقال تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧]، وقال تعالى: {وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: ١٠٨]؛ بل يسخطها كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨)} [محمد: ٢٨].

وقالت طائفة: ترضى من جهة كونها مضافة إلى الله خلقًا وتُسخط من جهة كونها مضافة إلى العبد فعلًا وكسبًا. وهذا القول لا ينافي الذي قبله، بل هما يعودان إلى أصل واحد، وهو سبحانه إنما قدر الأشياء لحكمة، فهي باعتبار تلك الحكمة محبوبة مرضية، وقد تكون في نفسها مكروهة ومسخوطة، إذ الشيء الواحد يجتمع فيه وصفان يحب من أحدهما ويكره من الآخر، كما في الحديث الصحيح: "ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه".

وأما من قال بالرضا بالقضاء الذي هو وصف الله وفعله لا بالمقضي الذي هو مفعوله، فهو خروج منه عن مقصود الكلام فإن الكلام ليس في الرضا فيما يقوم بذات الرب تعالى من صفاته وأفعاله، وإنما الكلام في الرضا بمفعولاته والكلام فيما يتعلق بهذا قد بيَّناه في غير هذا الموضع" (١).


(١) التحفة العراقية ص ٥٥ - ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>