زيادة في بعده من الند وفي عذابه، ومن ظن به أنه يسلط على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - أعداءه تسليطًا مستقرًا دائما في حياته وفي مماته وابتلاه بهم لا يفارقونه فلما مات استبدوا بالأمر دون وصية وظلموا أهل بيته وسلبوهم حقهم وأذلوهم، وكانت العزة والغلبة والقهر لأعدائه وأعدائهم دائما من غير جرم ولا ذنب لأوليائه وأهل الحق وهو يرى قهرهم لهم وغصبهم إياهم حقهم وتبديلهم دين نبيهم، وهو يقدر على نصرة أوليائه وحزبه وجنده ولا ينصرهم ولا يديلهم بل يديل أعداءهم عليهم أبدًا، أو أنه لا يقدر على ذلك بل حصل هذا بغير قدرته ولا مشيئته ثم جعل المبدلين لدينه مضاجعيه في حفرته تسلم أمته عليه وعليهم كل وقت كما تظنه الرافضة فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه، فمستقل ومستكثر وفتش نفسك هل أنت سالم في ذلك:
فإن تنجُ منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إِخالك ناجيا
فليعتنِ اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع وليتب إلى الله تعالى وليستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء، وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء ومنبع كل شر المركبة على الجهل والظلم، فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين وأعدل العادلين وأرحم الراحمين الغني الحميد الذي له الغنى التام والحمد التام والحكمة التامة، المنزه عن كل سوء في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه، فذاته لها الكمال المطلق من كل وجه وصفاته كذلك وأفعاله كذلك كلها حكمة ومصلحة ورحمة وعدل وأسماؤه كلها حسنى.
فلا تظنُنَّ بربكَ ظنَّ سَوْء ... فإن الله أولى بالجميلِ
ولا تظنُنَّ بنفسكَ قطَّ خيرًا ... وكيف بظالمِ جان جهولِ
وقُلْ يا نفس مأوى كلِّ سوءٍ ... أيُرجى الخيرَ من مَيْتٍ بخيلِ