للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد، وأما الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل" (١).

وقال أيضًا رحمه الله: " ... حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وبلوغ ذلك إليه، وتمكنه من العلم به، سواء علم أو جهل، فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه، فقصر عنه ولم يعرفه، فقدمت عليه الحجة، والله سبحانه لا يعذب أحدا إلا بقيام الحجة عليه" (٢).

وعلى ذلك أدلة منها قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} [القصص: ٥٩].

وقال الإمام الذهبي رحمه الله: "فلا يأثم أحد إلا بعد العلم وبعد قيام الحجة عليه، والله لطيف رءوف بهم، قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} وقد كان سادة الصحابة بالحبشة ينزل الواجب والتحريم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يبلغهم النص إلا بعد أشهر فهم في تلك الأمور معذورون بالجهل حتى يبلغهم النص، وكذا يعذر بالجهل من لم يعلم حتى يسمع النص والله أعلم" (٣).

وقال ابن العربي المالكي: "فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركًا أو كافرًا فإنه يعذر بالجهل والخطأ، حتى يتبين له الحجة التي يكفر تاركها بيانا واضحا ما يلتبس على مثله، وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، مما أجمعوا عليه إجماعًا قطعيًا يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل" (٤).


(١) طريق الهجرتين ٤١٤، وانظر مدارج السالكين ١/ ١٨٨.
(٢) مدارج السالكين ٢/ ٢٣٩.
(٣) الكبائر للذهبي ص ١٢، تحقيق محي الدين مستو.
(٤) محاسن التأويل ٥/ ١٣٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>