للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

به الذي هو من أعظم الأسباب التي يدفع بها المكروه والمحذور تعليمًا منه للأمة دفع الأسباب المكروهة بما هو أقوى منها، وإعلامًا بأن الضرر والنفع بيد الله عزَّ وجلَّ فإن شاء أن يضر عبده ضرّه، وإن شاء أن يصرف عنه الضرّ صرفه، بل إن شاء أن ينفعه بما هو من أسباب الضرر ويضره بما هو من أسباب النفع فعل، ليتبيّن العباد أنه وحده الضار النافع، وأن أسباب الضر والنفع بيديه، وهو الذي جعلها أسبابًا، وإن شاء خلع منها سببيتها، وإن شاء جعل ما تقتضيه بخلاف المعهود منها، ليعلم أنه الفاعل المختار، وانه لا يضر شيء ولا ينفع شيء إلا بإذنه، وأن التوكل عليه والثقة به تحيل الأسباب المكروهة إلى خلاف موجباتها وتبين مراتبها وأنها محال (١) لمجاري مشيئة الله وحكمته وأنه سبحانه هو الذي يضر بها وينفع ليس إليها ولا لها من الأمر شيء، وأن الأمر كله لله، وأنها إنما ينال ضررها من علّق قلبه بها ووقف عندها، وتطير بما يتطير به منها، فذلك الذي يصيبه مكروه الطيرة والطيرة سبب للمكروه على المتطير، فإذا توكل على الله ووثق به واستعان به لم يصده التطير عن حاجته" (٢).

وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: "فأما نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن إيراد الممرض، وأمره بالفرار من المجذوم ونهيه عن الدخول إلى موضع الطاعون؛ فإنه من باب اجتناب الأسباب التي خلقها الله تعالى وجعلها أسبابًا للهلاك والأذى، والعبد مأمور باتقاء أسباب البلاء إذا كان في عافية منها، فكما أنه يُؤمر أن لا يُلقي نفسه في الماء أو في النار أو يدخل تحت الهدم ونحوه مما جرت العادة بأنه يهلك أو يؤذي فكذلك اجتناب مقاربة المريض، كالمجذوم أو القدوم على بلد الطاعون، فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف، والله سبحانه وتعالى هو خالق الأسباب ومسبباتها، لا خالق غيره ولا مقدر غيره .. وأما إذا قوي التوكل على الله والإيمان بقضائه وقدره فقويت


(١) جمع محل، وهو المكان.
(٢) مفتاح دار السعادة: ج ٢/ ٢٦٩، ٢٧٢. بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>