للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشرك الباطل كما يقوله المنجّمون من تأثير الكواكب في هذا العالم وسعودها ونحوسها كما تقدم الكلام عليهم، ولو قالوا إنها أسباب أو أجزاء أسباب إذا شاء الله صرف مقتضياتها بمشيئته وإرادته وحكمته، وإنها مسخرة بأمره لما خلقت له، وإنها في ذلك بمنزلة سائر الأسباب التي ربط بها مسبباتها، وجعل لها أسبابًا أخر تعارضها وتمانعها، وتمنع اقتضاءها لما جعلت أسبابًا له، وإنها لا تقضى مسبباتها إلا بإذنه ومشيئته وإرادته، ليس لها من ذاتها ضر ولا نفع، ولا تأثير البتة، إن هي إلا خلق مسخر مصرف مربوب لا تتحرك إلا بإذن خالقها ومشيئته، وغايتها أنها جزء سبب ليست سببًا تامًا، فسببيتها من جنس سببية وطء الوالد في حصول الولد، فإنه جزء واحد من أجزاء كثيرة من الأسباب التي خلق الله بها الجنين، وكسببية شق الأرض، وإلقاء البذر فإنه جزء يسير من جملة الأسباب التي يكوِّن الله بها النبات، وهكذا جملة أسباب العالم من الغذاء، والرواء، والعافية، والسقم، وغير ذلك، وأن الله سبحانه جعل من ذلك سببًا ما يشاء ويبطل السببية عما يشاء، ويخلق من الأسباب المعارضة له ما يحول بينه وبين مقتضاه، فهم لو أثبتوا العدوى على هذا الوجه لما أنكر عليهم، وأما قضية المجذوم فلا ريب أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد". وأرسل إلى ذلك المجذوم: "إنا قد بايعناك فارجع". وأخذ بيد مجذوم فوضعها في القصعة وقال: "كل ثقة بالله وتوكلًا عليه" ولا تنافي بين هذه الآثار، ومن أحاط علمًا بما قدمناه تبين له وجهها، وأن غاية ذلك أن مخالطة المجذوم من أسباب العدوى، وهذا السبب يعارضه أسباب أخر تمنع اقتضاءه، فمن أقواها التوكل على الله والثقة به، فإنه يمنع تأثير ذلك السبب المكروه، ولكن لا يقدر كل واحد من الأمة على هذا، فأرشدهم إلى مجانبة سبب المكروه، والفرار والبعد منه، ولذلك أرسل إلى ذلك المجذوم الآخر بالبيعة تشريعا منه للفرار من أسباب الأذى والمكروه، وأن لا يتعرض العبد لأسباب البلاء، ثم وضع يده معه في القصعة فإنما هو سبب التوكل على الله والثقة

<<  <  ج: ص:  >  >>