للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالأَرْزَاق مُقَدَّرَة لا تَزِيد وَلا تَنْقُص {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: ٣٤] وَأَجَابَ العُلَمَاء بِأَجْوِبَةٍ:

الصَّحِيح مِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة بِالبَرَكَةِ فِي عُمْره، وَالتَّوْفِيقِ لِلطَّاعَاتِ، وَعِمَارَة أَوْقَاته بِمَا يَنْفَعهُ فِي الآخِرَة، وَصِيَانَتهَا عَنْ الضَّيَاع فِي غَيْر ذَلِكَ.

وَالثانِي: أنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَظْهَر لِلمَلائِكَةِ وَفِي اللوْح المَحْفُوظ، وَنَحْو ذَلِكَ، فَيَظْهَر لَهُمْ فِي اللوْح أَنَّ عُمْره سِتُّونَ سَنَة إِلا أَنْ يَصِل رَحِمه فَإِنْ وَصَلَهَا زِيدَ لَهُ أَرْبَعُونَ، وَقَدْ عَلِمَ الله سبحانه وتعالى مَا سَيقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ مَعْنَى قَوْله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} فَبِالنِّسْبةِ إِلَى عِلم الله تَعَالَى، وَمَا سَبَقَ بِهِ قَدَره وَلا زِيَادَة بَل هِيَ مُسْتَحِيلَة، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ظَهَرَ لِلمَخْلُوقِينَ تُتَصَوَّر الزِّيَادَة، وَهُوَ مُرَاد الحَدِيث.

وَالثَّالِث: أَنَّ المُرَاد بَقَاء ذِكْره الجَمِيل بَعْده، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ. حَكَاهُ القَاضِي، وَهُوَ ضَعِيف أَوْ بَاطِل وَاللهُ أَعْلَم" (١).

وقال في تحفة الأحوذي: "وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ: وَالمُرَادُ بِتَأْخِيرِ الأَجَلِ بِالصِّلَةِ إِمَّا حُصُولُ البَرَكَةِ وَالتَّوْفِيقُ فِي العَمَل وَعَدَم ضَيَاع العُمُر فَكَأَنَّهُ زَادَ، أَوْ بمَعْنى أَنَّهُ سَبَبٌ لِبَقَاءِ ذِكْرِهِ الجَمِيلِ بَعْدَه، أَو وُجُودَ الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةِ. وَالتَّحْقيقُ أَنَّهَا سَبَبٌ لِزِيَادَةِ العُمُرِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ العَالَمِ. فَمَنْ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى زِيادَةَ عُمُرِهِ وَفَّقَهُ لِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَالزِّيَادَةُ إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الخَلقِ، وَأَمَّا فِي عِلمِ الله فَلا زِيادَةَ وَلا نُقْصَانَ، وَهُوَ وَجْهُ الجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "جَفَّ القَلَمْ بِمَا هُوَ كَائِنٌ"، وَقَولهُ تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} " (٢).

وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ سَأَلت الله عز وجل لآجَالٍ مَضْرُوبَة، وَأيَّام مَعْدُودَة، وَأَرْزَاق


(١) شرح مسلم للنووي ١٦/ ١١٤.
(٢) تحفة الأحوذي ٦/ ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>