مَقْسُومَة، وَلَنْ يُعَجِّل شَيْئًا قَبْل حِلّه، أَوْ يُؤَخِّر شَيْئًا عَنْ حِلّه". قال النووي رحمه الله: "وَهَذَا الحَدِيث صَرِيح فِي أَنَّ الآجَال وَالأَرْزَاق مُقَدَّرَة لا تتغَيَّر عَمَّا قَدَّرَهُ الله تَعَالَى وَعَلِمَهُ فِي الأَزَل، فَيَسْتَحِيل زِيادَتهَا وَنَقْصهَا حَقِيقَة عَنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيث صِلَة الرَّحِم تَزِيد فِي العُمْر وَنَظَائِره فَقَدْ سَبَقَ تَأْوِيله فِي بَاب صِلَة الأَرْحَام وَاضِحًا. قَالَ المَازِرِيُّ هُنَا: قَدْ تَقَرَّرَ بِالدَّلائِلِ القَطْعِيَّة أَنَّ الله تَعَالَى أَعْلَم بِالآجَالِ وَالأَرْزَاق وَغَيْرهَا، وَحَقِيقَة العِلم مَعْرِفَة المَعْلُوم عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا عَلِمَ الله تَعَالَى أَنَّ زَيْدًا يَمُوت سِنّه خَمْسمِائَةٍ اسْتَحَالَ أَنْ يَمُوت قَبْلهَا أَوْ بَعْدهَا لِئَلا يَنْقَلِب العِلم جَهْلًا، فَاسْتَحَالَ أَنَّ الآجَال الَّتِي عَلِمَهَا الله تَعَالَى تَزِيد وَتَنْقُص، فَيَتَعَيَّن تَأْوِيل الزِّيَادَة أَنهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَلَك المَوْت أَوْ غَيْره مِمَّنْ وَكَّلَهُ الله بِقَبْضِ الأَرْوَاح، وَأَمَرَهُ فِيهَا بِآجَالٍ مَمْدُودَة فَإِنَّهُ بَعْد أَنْ يَأْمُرهُ بذَلِكَ أَوْ يُثْبِتهُ فِي اللوْح المَحْفُوظ يَنْقُص مِنْهُ وَيزِيد عَلَى حَسَب مَا سَبَقَ بِهِ عِلمه فِي الأَزَل، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يُحْمَل قَوْله تعالى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} " (١).
وقال ابن حجر: "قَالَ ابْن التِّين: ظَاهِر الحَدِيث يُعَارِض قَوْله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} وَالجَمْع بَيْنهمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدهمَا: أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة كِنَايَة عَنْ البَرَكَة فِي العُمُر بِسَبَبِ التَّوْفِيق إِلَى الطَّاعَة، وَعُمَارَة وَقَتَهُ بِمَا يَنْفَعهُ فِي الآخِرَة، وَصِيَانَته عَنْ تَضْيِيعه فِي غَيْره ذَلِكَ. وَمِثْل هَذَا مَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - تَقَاصَرَ أَعْمَار أُمَّته بِالنِّسْبَةِ لِأَعْمَارِ مَنْ مَضَى مِنْ الأُمَم فَأَعْطَاهُ الله لَيْلَة القَدْر. وَحَاصِله أَنَّ صِلَة الرَّحِم تَكُون سَبَبًا لِلتَّوْفِيقِ لِلطَّاعَةِ وَالصِّيَانَة عَنْ المَعْصِيَة فَيَبْقَى بَعْده الذِّكْر الجَمِيل، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ. وَمِنْ جُمْلَة مَا يَحْصل لَهُ مِنْ
(١) شرح مسلم للنووي ١٦/ ٢١٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute