للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التَّوْفِيق العِلم الَّذِي يَنتفِع بِهِ مَنْ بَعْده، وَالصَّدَقَة الجَارِية عَلَيْهِ، وَالخَلَف الصَّالِح.

ثَانِيهمَا: أَنَّ الزِّيَادَة عَلَى حَقِيقَتهَا، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلم المَلَك المُوَكَّل بِالعُمُرِ، وَأَمَّا الأَوَّل الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الآيَة فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلم الله تَعَالَى، كَأَنْ يُقَال لِلمَلَكِ مَثَلًا: إِنَّ عُمْر فُلان مِائَة مَثَلًا إِنْ وَصَلَ رَحِمه، وَسِتُّونَ إِنْ قَطَعَهَا. وَقَدْ سَبَقَ فِي عِلم الله أَنَّهُ يَصِل أَوْ يَقْطَع، فَالَّذِي فِي عِلم الله لا يَتَقَدَّم وَلا يَتَأَخَّر، وَالَّذِي فِي عِلم المَلَك هُوَ الَّذِي يُمْكِن فِيهِ الزِّيَادَة وَالنَّقْص وَإِلَيْهِ الإشَارَة بِقَوْلِهِ تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} المَحْو وَالإثْبَات بِالنِّسْبَةِ عِلم المَلَك، وَمَا فِي أُمّ الكِتَاب هُوَ الَّذِي فِي عِلم اللهِ تَعَالَى فَلا مَحْو فِيهِ البَتَّة. ويُقَال لَهُ القَضَاء المُبْرَم، ويُقَال لِلأَوَّلِ القَضَاء المُعَلَّق. وَالوَجْه الأَوَّل أَليَق بِلَفْظِ حَدِيث البَاب، فَإِنَّ الأَثَر مَا يَتْبَع الشَّيْء، فَإِذا أُخِّرَ حَسُنَ أَنْ يُحْمَل عَلَى الذِّكْر الحَسَن بَعْد فَقْد المَذْكُور.

وَقَدْ وَرَدَ فِي تَفْسِيره وَجْه ثَالِث، فَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الصَّغير" بِسَنَدٍ ضَعِيف عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ: ذُكِرَ عِنْد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْ وَصَلَ رَحِمه أُنْسئَ لَهُ فِي أَجَله، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ زِيادَة فِي عُمُره، قَالَ الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} الآيَة؛ وَلَكِنَّ الرَّجُل تَكُون لَهُ الذُّرِّيَّة الصَّالِحَة يَدْعُونَ لَهُ مِنْ بَعْده".

وَلَهُ فِي "الكَبِير" مِنْ حَدِيث أَبِي مُشَجِّعَة الجُهَنِيّ رَفَعَهُ "إِنَّ الله لا يُؤَخِّر نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلهَا، وَإِنَّمَا زِيَادَة العُمُر ذُرِّيَّة صَالِحَة" الحَدِيث.

وَجَزَمَ ابْن فَوْرَك بِأَنَّ المُرَاد بِزِيَادَةِ العُمُر نَفْي الآفَات عَنْ صَاحِب البِرّ فِي فَهْمه وَعَقْله. وَقَالَ غَيْره فِي أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ وَفِي وُجُود البَرَكَة فِي رِزْقه وَعِلمه وَنَحْو ذَلِكَ" (١).

وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سره أن يبسط له في رزقه. . . " الحديث، قال شيخ الإسلام: "وقد قال بعض الناس إن المراد به البركة في العمر بأن يعمل في الزمن


(١) فتح الباري ١٠/ ٤٣٠ عند شرح الحديث رقم (٥٩٨٥) (٥٩٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>