القصير ما لا يعمله غيره إلا في الكثير. قالوا: لأن الرزق والأجل مقدران مكتوبان.
فيقال لهؤلاء: تلك البركة وهي الزيادة في العمل والنفع هي أيضًا مقدرة مكتوبة وتتناول لجميع الأشياء.
والجواب المحقق: أن الله يكتب للعبد أجلًا في صحف الملائكة فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب. ونظير هذا ما في الترمذي وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن آدم لما طلب من الله أن يريه صورة الأنبياء من ذريته فأراه إياهم فرأى فيهم رجلًا له بصيص فقال: من هذا يا رب؟ فقال: ابنك داود. قال: فكم عمره؟ قال: أربعون سنة. قال: وكم عمري؟ قال: ألف سنة. قال: فقد وهبت له من عمري ستين سنة، فكتب عليه كتاب، وشهدت عليه الملائكة، فلما حضرته الوفاة قال: قد بقي من عمري ستون سنة قالوا: وهبتَها لابنك داود. فأنكر ذلك فأخرجوا الكتاب". قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته".
وروي "أنه كمل لآدم عمره ولداود عمره، فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنة ثم جعله ستين، وهذا معنى ما روي عن عمر أنه قال: اللهم إن كنت كتبتني شقيًا فامحني واكتبني سعيدًا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، والله سبحانه عالم بما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده إياه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله - والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها؛ فلهذا قال العلماء إن المحو والإثبات في صحف الملائكة - وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له ما لم يكن عالما به فلا محو فيه ولا إثبات - وأما اللوح المحفوظ فهل فيه محو وإثبات على قولين، والله سُبحانه وتعالى أعلم"(١).