للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي تفسير قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} قال السعدي رَحِمَهُ اللهُ: "وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه، وكتبه قلمه، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير؛ لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص، أو خلل، ولهذا قال: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي: اللوح المحفوظ، الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع وشُعب.

فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب كأعمال اليوم والليلة، التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابًا، ولمحوها أسبابًا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ كما جحل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر، وسعة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب، سببًا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببًا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه، في اللوح المحفوظ" (١).

وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رَحِمَهُ اللهُ عن الدعاء والصدقة هل يردان القضاء والقدر، فذكر الآيات والأحاديث الدالة على أن قدر الله عَز وجل ماضٍ في عباده، ثم قال: "وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن الحوادث معلقة بأسبابها، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وإن البر يزيد في العمر، ولا يرد القدر إلا الدعاء" ومراده - صلى الله عليه وسلم - أن القدر المعلق بالدعاء يرده الدعاء، وهكذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحب أن يُبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه". فالأقدار تردها الأقدار التي جعلها الله سبحانه مانعة لها، والأقدار المعلقة على وجود أشياء كالبر والصلة والصدقة توجد عند وجودها، وكل ذلك داخل في القدر العام المذكور في


(١) تفسير ابن سعدي ص ٣٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>