للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن تيمية رَحِمَه الله: "والتحقيق أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه، لكن هذا لا يكون إلا فيما علم ثبوت النص به. وأما العلم بثبوت الإجماع في مسألة لا نص فيها فهذا لا يقع، وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره، وحينئذ فالإجماع مع النص دليلان كالكتاب والسنة" (١).

وقال الشيخ ابن باز رَحِمَه الله: "وقد أجمع علماء الإسلام على كفر من استحل ما حرم الله، أو حرم ما أحله الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة" (٢).

فمن ضوابط الاستحلال أن يكون مما قامت عليه الأدلة من الكتاب والسنة وشاعت، ليست خفية ما يعلمها إلا بعض الناس، فلا تكفير باستحلال عمل لا يعلم حكمه إلا طائفة من أهل العلم، بل الاستحلال مقيد بما أُجمع عليه، بما هو معلوم من الدين بالضرورة فمثلًا: العلماء لم يكفروا طائفة من الفقهاء ممن يبيحون النبيذ الذي يسكر كثيره مع أن فيه أدلة كثيرة، وهذا النبيذ الذي يبيحه طائفة من أهل الرأي يستحلونه ويشربونه ويعتقدونه حلالًا، لم يحكم أحد من أهل السنة على تلك الطائفة من الفقهاء بأنهم كفار، لأنهم استحلوا محرمًا وهو النبيذ، الذي يسكر كثيره وهذا لا تكفير لمستحله لأن فيه قولًا لطائفة من الفقهاء بإباحته ولو كان ضعيفًا؛ إذ لا تكفير إلا في المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة.

وكذلك الإمام عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - يقال: إنه رجع في آخر عمره أنه لا ربا إلا في النسيئة. قال القرطبي رَحِمَه الله عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "إنه كان لا يرى الدرهم بدرهمين بأسًا حتى صرفه عن ذلك ابن سعيد" (٣).

فمن رابى ربا الفضل فهذا جائز عند ابن عباس، فمن ذهب إلى هذا الرأي


(١) مجموع الفتاوى ١٩/ ٢٧٠.
(٢) مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ٣/ ٩٨٤، ٩٨٩.
(٣) تفسير القرطبي ص ١١٥٨، وانظر المغني ٦/ ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>