للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعصِ الله ورسولَه" (١).

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " ... وذم الخطيب الذي قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن عصاهما فقد غوى .. سدًا لذريعة التشريك في المعنى بالتشريك في اللفظ، وحسمًا لمادة الشرك حتى في اللفظ" (٢).

ولكن جاء في حديث آخر تثنية الضمير حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" وللإجابة عن ذلك قال النووي رحمه الله: قوله "أن رجلًا خطب عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى". قال القاضي وجماعة من العلماء: إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضي للتسوية، وأمره بالعطف تعظيمًا لله تعالى بتقديم اسمه، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: "لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان، ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان".

والصواب: أن سبب النهي، أن الخطب شأنها البسط والإيضاح، واجتناب الإشارات والرموز، ولهذا ثبت في الصحيح: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا ليفهم، وأما قول الأوليين فيضعف بأشياء منها: أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" وغيره من الأحاديث، وإنما ثنى الضمير ههنا لأنه ليس خطبة وعظ، وإنما هو تعليم حكم، فكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ، فإنه ليس المراد حفظه، وإنما يراد الاتعاظ بها" (٣).


(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٨٧٠).
(٢) إعلام الموقعين ٣/ ١٤٦.
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم ٦/ ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>