للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الحافظ ابن حجر بعد نقله لكلام النووي: "وثمَّ أجوبة أخرى، منها: دعوى الترجيح، فكيون حيز المنع أولى لأنه عام، والآخر يحتمل الخصوصية، ولأنه ناقل والآخر مبني على الأصل، ولأنه قول والآخر فعل، ورد بأن احتمال التخصيص في القول أيضًا حاصل بكل قول، ليس فيه صيغة عموم أصلًا، ومنها دعوى أنه من الخصائص، فيمتنع من غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يمتنع منه، لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية، بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك، وإلى هذا مال ابن عبد السلام. ومنها دعوى التفرقة بوجه آخر وهو أن كلامه - صلى الله عليه وسلم - هنا جملة واحدة فلا يحسن إقامة الظاهر فيها مقام المضمر، وكلام الذي خطب جملتان لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر، وتعقب هذا بأنه لا يلزم من كونه لا يكره إقامة الظاهر فيهما منام المضمر أن يكره إقامة المضمر فيهما منام الظاهر، فما وجه الرد على الخطيب مع أنه هو - صلى الله عليه وسلم - جمع كما تقدم؟

ويجاب بأن قصة الخطيب - كما قلنا - ليس فيها صيغة عموم، بل هي واقعة عين، فيحتمل أن يكون في ذلك المجلس من يخشى عليه توهم التسوية كما تقدم. ومن محاسن الأجوبة في الجمع بين حديث الباب وقصة الخطيب أن تثنية الضمير هنا للإيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين، لا كل واحدة منهما، فإنها وحدها لاغية إذا لم ترتبط بالأخرى، فمن يدعي حب الله مثلًا ولا يحب رسوله لا ينفعه ذلك، ويشير إليه قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} فأوقع متابعته مكتنفة بين قطري محبة العباد ومحبة الكل تعالى للعباد.

وأما أمر الخطيب بالإفراد فلأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية، إذ العطف في تقدير التكرير، والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم ويشير إليه قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} فأعاد

<<  <  ج: ص:  >  >>