وقال الشيخ السعدي:"النفاق العملي - وإن كان لا يخرج من الدين بالكلية - فإنه دهليز الكفر، ومن اجتمعت فيه هذه الخصال الأربع فقد اجتمع فيه الشر، وخلصت فيه نعوت المنافقين، فإن الصدق، والقيام بالأمانات والوفاء بالعهود، والورع عن حقوق الخلق هي جماع الخير، ومن أخص أوصاف المؤمنين، فمن فقد واحدة منها فقد هدم فرضًا من فروض الإسلام والإيمان، فكيف بجميعها؟
فالكذب في الحديث يشمل الحديث عن الله والحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي من كذب عليه متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}[الصف: ٧].
ويشمل الحديث عما يخبر به من الوقائع الكلية والجزئية، فمن كان هذا شأنه فقد شارك المنافقين في أخص صفاتهم، وهي الكذب الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والكذب، فإن الكذب يدعو إلى الفجور، وإن الفجور يدعو إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا" ومن كان إذا ائتمن على الأموال والحقوق والأسرار خانها، ولم يقم بأمانته، فأين إيمانه؟ وأين حقيقة إسلامه؟ وكذلك من ينكث العهود التي بينه وبين الله، والعهود التي بينه وبين الخلق متصف بصفة خبيثة من صفات المنافقين، وكذلك من لا يتورع عن أموال الخلق وحقوقهم، ويغتنم فرصها، ويخاصم فيها بالباطل ليثبت باطلًا، أو يدفع حقًّا، فهذه الصفات لا تكاد تجتمع في شخص ومعه من الإيمان ما يُجزئ أو يكفي، فإنها تنافي الإيمان أشد المنافاة.
واعلم أن من أصول السنة والجماعة: أنه قد يجتمع في العبد خصال خير وخصال شر، وخصال إيمان وخصال كفر أو نفاق، ويستحق من الثواب والعقاب بحسب ما قام به من موجبات ذلك وقد دل على هذا الأصل نصوص كثيرة من