للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مودات القلوب، ولا تعظيم شعائر الكفر، فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع، وصار من قبل ما نهى عنه في الآية، وغيرها. ويتضح ذلك بالمثل، فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا، والقيام لهم حينئذ وبداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها، هذا كله حرام، وكذلك إذا تلاقينا معهم في الطريق، وأخلينا لهم واسعها ورحبها والسهل منها، وتركنا أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها كما جرت العادة أن يفعل ذلك المرء مع الرئيس، والولد مع الوالد، فإن هذا ممنوع لما فيه من تعظيم شعائر الكفار، وتحقير شعائر الله تعالى وشعائر دينه، واحتقار أهله، وكذلك لا يكون المسلم عندهم خادمًا ولا أجيرًا يؤمر عليه وينهى.

وأما ما أمر به من برهم من غير مودة باطنة: فهو كالرفق بضعيفهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم (١)، والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفًا منا بهم، لا خوفًا وتعظيمًا، والدعاء لهم بالهداية، وأن يجعلوا من آل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم.

فجميع ما نفعله من ذلك فليس على وجه التعظيم لهم، وتحقير أنفسنا بذلك ولا مصانعة لهم، وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا، وتكذيب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا، واستولوا على دمائنا وأموالنا، وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا - عَزَّ وَجَلّ -، ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالا لأمر ربنا .. " (٢).


(١) جاء في فتاوى اللجنة ٢/ ٤٤: لا يجوز مخالطة الكفار مخالطة تنشأ منها فتنة. أما مؤاكلتهم ومخالطتهم والإحسان لهم بما يرغبهم في الإسلام فلا بأس به مع أمن الفتنة، وعدم المودة.
(٢) كتاب الفروق للقرافي ٣/ ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>