للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره، فإنه يلزم من عدم طاعة القلبِ عدم طاعة الجوارح، إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة وهو حقيقة الإيمان، فإن الإيمان ليس مجرد التصديق - كما تقدم بيانه - وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد، وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه، بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بِموجبِه، وإن سمى الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء، كما أن اعتقاد التصديق وإن سمى تصديقا فليس هو التصدق المستلزم للإيمان. فعليك بِمراجعة هذا الأصل ومراعاته" (١).

وقد جاء عن السلف أن من ترك العمل المجزئ في الإيمان أنه كافر، وأن من قال بأن الإيمان هو الإقرار وأنه لا يوجد قدر مجزئ من العمل يُدخله في الإيمان فهو مرجئ.

فعن معقل بن عبيد الله العبسي قال: "قدم علينا سالم الأفطس بِالإرجاء فعرضه قال: فنفر منه أصحابنا نفارًا شديدًا ... قال فجلست إلى نافع فقلت له: إنهم يقولون: نحن نقر بِأن الصلاة فريضة ولا نصلي، وأن الخمر حرام ونحن نشربها وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل. قال: فنتر يده من يدي ثم قال: من فعل هذا فهو كافر" (٢).

وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا سويد بن سعيد الهروي قال: "سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء. فقال: يقولون الإيمان قول وعمل، والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصرًا بقلبه على ترك الفرائض وسمّوا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليسا بسواء لأن ركوب المحارم من غير استحلال


(١) كتاب الصلاة ٢٥.
(٢) السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ١/ ٣٨٢، ٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>