للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان مشروعا من الأقوال والأعمال، ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولا فقط، فقالوا: بل هو قول وعمل والذين جعلوه أربعة أقسام فسروا مرادهم، كما سئل سهل بن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو؟ فقال: "قول وعمل ونية وسنة"؛ لأن الإيمان إذا كان بِلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولا وعملا بِلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولًا وعملًا ونية بِلا سنة فهو بِدعة" (١).

وقال ابن القيم رحمهُ اللهُ: "ومما يبين ذلك أن الإقرار بالصانع مع خلو القلب عن محبته والخضوع له وإخلاص الدين له لا يكون نافعًا بل الإقرار به مع الإعراض عنه وعن محبته وتعظيمه والخضوع له أعظم استحقاقا للعذاب فلا بد أن يكون للفطرة مقتض للعلم ومقتض للمحبة" (٢).

وقال أيضًا: "وها هنا أصل آخر، وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل. والقول قسمان: قول القلبِ وهو الاعتقاد، وقول اللسان وهو التكلم بِكلمة الإسلام. والعمل قسمان: عمل القلبِ وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح. فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بِكماله، وإذا زال تصديق القلبِ لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلبِ شرط في اعتقادها وكونها نافعة. وإذا زال عمل القلبِ مع اعتقاد الصدق، فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة. فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلبِ وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون بِه سرا وجهرا ويقولون: ليس بِكذابِ، ولكن لا نتبعه، ولا نؤمن بِه. وإذا كان الإيمان يزول بِزوال عمل القلبِ فغير مستنكر أن يزول بِزوال أعظم أعمال الجوارح، ولا سيما إذا كان ملزوما لعدم محبة القلبِ


(١) الإيمان ص ١٦٢، وانظر مجموع الفتاوى ٧/ ٣٣٣، ٥٠٥، ٥٠٦، ٦٢١، ٢٨/ ١٧٧.
(٢) شفاء العليل ص ٣٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>