ثم ذلك العمل الذي يدل عليه الكتاب والسنة ليس بدعة في الشريعة وإن سمي بدعة في اللغة فلفظ البدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة وقد علم أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كل بدعة ضلالة لم يرد به كل عمل مبتدأ فإن دين الإسلام بل كل دين جاءت به الرسل فهو عمل مبتدأ وإنما أراد ما ابتديء من الأعمال التي لم يشرعها هو -صلى الله عليه وسلم- وإذا كان كذلك فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى، وقد قال لهم في الليلة الثالثة والرابعة لما اجتمعوا: إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم فصلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة.
فعلَّل -صلى الله عليه وسلم- عدم الخروج بخشية الافتراض فعلم بذلك أن المقتضى للخروج قائم وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم، فلما كان في عهد عمر جمعهم على قارئ واحد وأسرج المسجد فصارت هذه الهيئة وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد مع الإسراج عملًا لم يكونوا يعملونه من قبل فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك وإن لم يكن بدعة شرعية؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض وخوف الافتراض قد زال بموته -صلى الله عليه وسلم- فانتفى المعارض" (١).
٢ - قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" وسن بمعنى "شرع".
قال الشيخ ابن عثيمين: "الجواب: أن من قال: "من سن في الإسلام سنة حسنة" هو القائل: "كل بدعة ضلالة" ولا يمكن أن يصدر عن الصادق المصدوق قول يكذب له قولًا آخر، ولا يمكن أن يتناقض كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبدًا، ولا يمكن أن يرد على معنى واحد مع التناقض أبدًا، ومن ظن أن كلام الله تعالى أو