كأن الشارع يعلم، ونحن أيضًا نعلم بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع، أنه علم ما لم يعلمه الشارع.
وهذا إن كان مقصودًا للمبتدع فهو كفر بالشريعة والشارع، وإن كان غير مقصود، فهو ضلال مبين.
وإلى هذا المعنى أشار عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-، إذ كتب له عدى ابن أرطاة يستشره في بعض القدرية، فكتب إليه:
أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وترك ما أحدث المحدثون فيما قد جرت سنته وكفوا مؤنته فعليك بلزوم السنة، فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطإ والزلل والحمق والتعمق، فارضَ لنفسك بما رضى به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ، قد كفوا وهم كانوا على كشف الأمور أقوى، وبفضل كانوا فيه أحرى. فلئن قلتم: أمر حدث بعدهم، ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سننهم، ورغب بنفسه عنهم، إنهم لهم السابقون، فقد تكلموا منه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفى، فما دونهم مقصر، وما فوقهم محسن، ولقد قصر عنهم آخرون فقلوا وأنهم بين لك لعلى هدى مستقيم.
والرابع: أن المبتدع قد نزل نفسه منزلة المضاهي للشارع، لأن الشارع وضع الشرائع وألزم الخلق الجرى على سننها، وصار هو المنفرد بذلك، لأنه حكم بين الخلق فيما كانوا فيه يختلفون. وإلا فلو كان التشريع من مدركات الخلق لم تنزل الشرائع، ولم يبق الخلاف بين الناس. ولا احتيج إلى بعث الرسل عليهم السلام.
وهذا الذي ابتدع في دين الله قد صير نفسه نظيرًا ومضاهيًا حيث شرع مع الشارع، وفتح للاختلاف بابًا؛ ورد قصد الشارع في الانفراد بالتشريع وكفى بذلك.
والخامس: أنه اتباع للهوى لأن العقل إذا لم يكن متبعًا للشرع لم يبق له إلا