للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه، وهو مخالف أيضًا لصنيع عمر وعثمان حين وسعًا المسجد ولم يدخلا القبر فيه، ولهذا نقطع بخطإ ما فعله الوليد بن عبد الملك عفا الله عنه، ولئن كان مضطرًا إلى توسيع المسجد، فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة، وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو -رضي الله عنه- بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى ولم يتعرض للحجرة، بل قال: "إنه لا سبيل إليها"، فأشار -رضي الله عنه- إلى المحذور الذي يترتب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد".

رابعًا: ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين، فإن الذين زادوا في المسجد النبوي احتاطوا للأمر شيئًا، فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم. فقد ذكر النووي في شرح مسلم أنه لما احتيج إلى الزيادة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة -رضي الله عنها- مدفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله، لئلا يظهر في المسجد؛ فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر (١).

ونقل الحافظ ابن رجب في الفتح نحوه عن القرطبي كما في "الكواكب" ٦٥/ ٩١/ ١. وذكر ابنُ تَيمِيَّةَ في الجواب الباهر (ق ٩/ ٢). "أن الحجرة لما أدخلت إلى المسجد سد بابها، وبنى عليها حائط آخر، صيانة له -صلى الله عليه وسلم- أن يتخذ بيته عيدًا وقبره وثنًا" (٢).

أما بناء القبة على القبر الشريف فقد قال صاحب كتاب المشاهدات


(١) النووي شرح مسلم ٥/ ١٤ بتصرف.
(٢) تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ص ٩٢ - ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>