وفيما مشى فيه، وهو وجه آخر يختلف عما يقصده الناس اليوم فإن لهم صورًا مختلفة فبعضهم يقصد الدعاء عندها وبعضهم يقصد التمسح بأعتابها، وبعضهم يقصد الاستشفاء بتربتها. وبعضهم يقصد التبرك وبعضهم يقصد الفرجة والتنزه وبعضهم يريد المصيبة العظمى وهي دعاؤها وعبادتها كما يفعله عباد القبور، وحكم تتبع الأماكن في كل ذلك يختلف بحسب ما يقوم في قلب الزائر من الاعتقادات وبحسب الأفعال المصاحبة له.
ومع أن ابن عمر أراد التشبه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الفعل إلا أن الصحابة لم يُنقل عن أحدٍ منهم أنه كان يتحرى قصد الأمكنة التي نزلها النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل وأنكر ذلك على ابنِ عمر أبوه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- حيث قال: إنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيَعًا.
قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "لأن ما فعله ابن عمر لم يوافقه عليه أحد من الصحابة، فلم ينقل عن الخلفاء الراشدين ولا عن غيرهم من المهاجرين والأنصار أن أحدًا منهم كان يتحرى قصد الأمكنة التي نزلها النبي -صلى الله عليه وسلم-، والصواب مع جمهور الصحابة؛ لأن متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- تكون بطاعة أمره وتكون في فعله بأن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعله، فإذا قصد النبي -صلى الله عليه وسلم- العبادة في مكان كان قصد العبادة فيه متابعة له كقصد المشاعر والمساجد، وأما إذا نزل في مكان بحكم الاتفاق لكونه صادف وقت النزول أو غير ذلك مما يعلم أنه لم يتحر ذلك المكان فإنا إذا تحرينا ذلك المكان لم نكن متبعين له فإن الأعمال بالنيات ... فأما الأمكنة التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقصد الصلاة والدعاء عندها فقصد الصلاة أو الدعاء فيها سنة اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتباعًا له كما إذا تحرى الصلاة أو الدعاء في وقت من الأوقات فإن قصد الصلاة أو الدعاء في ذلك الوقت سنة كسائر عباداته وسائر الأفعال التي فعلها على وجه التقرب، ومثل هذا ما أخرجاه في الصحيحين عن يزيد