للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بن أبي عبيد قال: كان سلمة بن الأكوع يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف. فقلت له: يا أبا مسلم، أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة؟ قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى الصلاة عندها وفي رواية لمسلم عن سلمة بن الأكوع أنه كان يتحرى الصلاة في موضع المصحف يسبح فيه، وذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتحرى ذلك المكان وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة، وقد ظن بعض المصنفين أن هذا مما اختلف فيه وجعله والقسم الأول سواء وليس بجيد فإنه هنا قد أخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتحرى البقعة فكيف لا يكون هذا القصد مستحبًا. نعم إيطان بقعة في المسجد لا يصلى إلا فيها منهي عنه كما جاءت به السنة والإيطان ليس هو التحري من غير إيطان، فيجب الفرق بين اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، والاستنان به فيما فعله وبين ابتداع بدعة لم يسنها لأجل تعلقها به، وقد تنازع العلماء فيما إذا فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعلا من المباحات لسبب وفعلناه نحن تشبها به مع انتفاء ذلك السبب، فمنهم من يستحب ذلك ومنهم من لا يستحبه، وعلى هذا يخرج فعل ابن عمر -رضى الله عنهما- فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في تلك البقاع التي في طريقه؛ لأنها كانت منزله لم يتحر الصلاة فيها لمعنى في البقعة، فنظير هذا أن يصلي المسافر في منزله وهذا سنة، فأما قصد الصلاة في تلك البقاع التي صلى فيها اتفاقًا فهذا لم ينقل عن غير ابن عمر من الصحابة بل كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حُجَّاجًا وعُمَّارًا أو مسافرين ولم ينقل عن أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبًا لكانوا إليه أسبق فإنهم أعلم بسنته وأتبع لها من غيرهم وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وتحرِّي هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين بل هو مما ابتدع وقول الصحابي وفعله إذا خالفه

<<  <  ج: ص:  >  >>