للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات، لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه" (١).

ويسوق ابن تيمية بعضًا من الأعذار الواردة على المعين، فيقول: "وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده، ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية، أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجماهير أئمة الإسلام" (٢).

وقال -رحمه الله- مبينا مذهب الإمام أحمد -رحمه الله-: "وإنما كان يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته؛ لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ظاهرة بينه ولأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق، وكان قد ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم، وأنه يدور على التعطيل، وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة. لكن ما كان يكفر أعيانهم، فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط، والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه، ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية "إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يُرى في الآخرة وغير ذلك"، ويدعون الناس إلى ذلك ويمتحنونهم ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم، ويكفرون من لم يجبهم ... ومع هذا فالإمام أحمد ترحم عليهم، واستغفر لهم، لعلمه بأنهم لم يُبَيَّن لهم أنهم مكذبون للرسول، ولا


(١) مجموع الفتاوى الكيلانية ١٢/ ٤٨٧، ٤٨٨. انظر لمزيد من التفصيل: مجموع الفتاوى ٣/ ٣٥٤، ١٢/ ٤٩٨، ٢٨/ ٥٠٠، ٣٥/ ١٦٥.
(٢) مجموع الفتاوى ٢٣/ ٣٤٦. وانظر أيضًا ٣/ ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>