وهذا حق أحقه الله على نفسه باتفاق أهل العلم واختلفوا هل أوجبه على نفسه أم لم يوجبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وقد اتفق العلماء على وجوب ما يجب بوعد الله الصادق وتنازعوا هل يوجب بنفسه على نفسه؟ على قولين، ومن جوز ذلك احتج بقوله سبحانه:{كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام:١٢] وبقوله في الحديث الصحيح: "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا" ... وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى والتحريم بالقياس على خلقه فهذا قول القدرية وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئًا؟ ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب قال إنه كتب على نفسه الرحمة وحرم الظلم على نفسه لا أن العبد نفسه مستحق على الله شيئًا كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير فهو الخالق لهم وهو المرسل إليهم الرسل وهو الميسر لهم الإيمان والعمل الصالح، ومن توهم من القدرية والمعتزلة ونحوهم أنهم يستحقون عليه من جنس ما يستحقه الأجير على من استأجره فهو جاهل في ذلك"(١).
وقال ابن القيم في مدارج السالكين: "فمعناه أن لا يرى لنفسه حقًّا على الله لأجل عمله، فإن صحبته مع الله بالعبودية والفقر المحض والذل والانكسار فمتى رأى لنفسه عليه حقًّا فسدت الصحبة وصارت معلولة وخيف منها المقت، ولا ينافي هذا ما أحقه سبحانه على نفسه من إثابة عابديه وإكرامهم، فإن ذلك حق أحقه على نفسه بمحض كرمه وبره وجوده وإحسانه لا باستحقاق العبيد وأنهم أوجبوه