للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليه بأعمالهم. فعليك بالفرقان في هذا الموضع الذي هو مفترق الطرق، والناس فيه ثلاث فرق:

فرقة رأت أن العبد أقل وأعجز من أن يوجب على ربه حقًّا فقالت: لا يجب على الله شيء البتة، وأنكرت وجوب ما أوجب على نفسه.

وفرقة رأت أنه سبحانه أوجب على نفسه أمورًا لعبدهِ فظنت أن العبد أوجبها عليه بأعماله، وأن أعماله كانت سببًا لهذا الإيجاب، والفرقتان غالطتان.

والفرقة الثالثة أهل الهدى والصواب قالت: لا يستوجب العبد على الله بسعيه نجاة ولا فلاحًا ولا يدخل أحدًا عمله الجنة أبدًا، ولا ينجيه من النار، والله تعالى بفضله وكرمه ومحض جوده وإحسانه أكد إحسانه وجوده وبره بأن أوجب لعبده عليه سبحانه حقا بمقتضى الوعد، فإن وعد الكريم إيجاب ولو بعسى ولعل.

ولهذا قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "عسى من الله واجب ووعد اللئيم خلف ولو اقترن به العهد والحلف".

والمقصود أن عدم رؤية العبد لنفسه حقًّا على الله لا ينافي ما أوجبه الله على نفسه وجعله حقًّا لعبده قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ " قال: الله ورسوله أعلم. قال: "حقه عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئًا، يا معاذ، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ ": قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حقهم عليه أن لا يعذبهم بالنار"، فالرب سبحانه ما لأحد عليه حق ولا يضيع لديه سعي كما قيل:

ما للعباد عليه حق واجب ... كلا ولا سعي لديه ضائع

إن عذبوا فبعدله أو نعموا ... فبفضله وهو الكريم الواسع" (١)


(١) مدارج السالكين ٢/ ٣٣٨، ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>