للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن القيم رَحِمَه الله: "وفي هذا ثلاث مفاسد عظيمة:

أحدها: سبه من ليس أهلًا للسب، فإن الدهر خلق مسخر من خلق الله منقاد لأمره، مذلل لتسخيره، فسابه أولى بالذم والسب منه.

الثانية: أن سبه متضمن للشرك، فإنه إنما سبه لظنه أنه يضر وينفع وأنه مع ذلك ظالم قد ضر من لا يستحق الضرر، وأعطى من لا يستحق العطاء، ورفع من لا يستحق الرفعة، وحرم من لا يستحق الحرمان. وهو عند شاتميه من أظلم الظلمة وأشعار هؤلاء الظلمة الخونة في سبه كثيرة جدًّا. وكثير من الجهال يصرح بلعنه وتقبيحه.

الثالثة: أن السب منهم إنما يقع على من فعل هذه الأفعال التي لو اتبع الحق فيها أهواءهم لفسدت السموات والأرض، وإذا وافقت أهواءهم حمدوا الدهر وأثنوا عليه، وفي حقيقة الأمر، فرب الدهر هو المعطي المانع الخافض الرافع المعز المذل، والدهر ليس له من الأمر شيء، فمسبتهم الدهر مسبة لله عزَّ وجلَّ، ولهذا كانت مؤذية للرب تعالى ... فساب الدهر دائر بين أمرين لا بد له من إحداهما: إما مسبة الله أو الشرك به، فإنه إن اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك، وهو يسب من فعله فهو يسب الله تعالى" (١).

قال الشيخ محمد بن إبراهيم: "وأما سبّ الدهر فهو الذي وردت الأدلة بالنهي عنه والتحذير منه وتحريمه" (٢).

* فائدة: أشار ابن أبي حمزة إلى أن النهي عن سب الدهر تنبيه بالأعلى على الأدنى، وأن فيه إشارة إلى ترك سب كل شيء مطلق، إلا ما أذن الشرع فيه؛ لأن العلة واحدة.


(١) زاد المعاد ٢/ ٣٥٤، ٣٥٥، وانظر: تيسير العزيز الحميد ص ٦١٦.
(٢) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ١/ ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>