للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبارك وتعالى، فلما وجدوا أنفسهم مقبورين في ذلك الغار قال أحدهم: يا هؤلاء! ادعوا الله بأعمالكم الصالحة .. توسلوا إلى الله بعمل لكم صالح لعل الله يفرجها عنكم، فقام أحدهم داعيًا فقال: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وامرأتي، وكان لي صبية صغار أرعى عليهم.

وأظنكم تفهمون بدون شرح هذه الكلمات لأنها عربية أصيلة .. كان لي أبوان شيخان كبيران أرعى عليهم، فإذا أردت حلبت فبدأت بأبوي قبل بنيي، فنأى بي ذات يوم شجر فأرحت وقد أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، وجئت للخيام قد قمت على رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون من الجوع عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر ..

بقي واقفًا حذرًا أن يوقظ أبويه ليبدأ بهما كما هي عادته، يقول لعل هذا الأفضل لكن لا أريد أن أزعجهما أبدأ إذًا بالصبية الصغار وهم يتضاغون يصيحون جوعًا، إذًا: أبدأ بهما قبل أبوي، عاش هكذا مهلة أتى الصباح، وهذا من تمام تبجيله وتقديره لحق الأبوين على أولاده الصغار، لذلك قال: فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، قال: فاللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء، فانزاحت الصخرة شيئًا قليلًا، لكن لا يستطيعون الخروج.

حتى قام الرجل الثاني، فقال: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت منها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، قال: فتعبت حتى جمعت لها مائة دينار، فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، وقمت عنها وتركت لها مائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا كربة، فانزاحت الصخرة أيضًا شيئًا قليلًا، ولكن لا يستطيعون الخروج.

يرون آيات الله واستجابة الله لدعاء عباده الصالحين ... ولكن لما تتم المعجزة بعد حتى يقوم الرجل الثالث ليقول: اللهم إن كنت تعلم إني استأجرت أجيرًا على فرق من أرز، يعني: شيء من أرز، فلما قضى عمله عرضت عليه فرقه فلبث عنده.

قال: فلم أزل أزرع هذا الفرق حتى جمعت بقرًا ورعائها، ثم جاءني بعد زمن طويل .. سنين عديدة، والظاهر أن الرجل ألمت به مصيبة أو أصاب قومه جوع، فتذكر أن له عند ذلك الرجل صاحب المزرعة فرق من أرز، فذهب إليه وقال له:

يا عبد الله! أعطني حقي، قال: انظر إلى تلك البقر فاذهب وخذها، قال: يا عبد الله! اتق الله ولا تستهزئ بي، إنما لي عندك فرق من أرز، قال: اذهب وخذها فإنما تلك البقر من ذاك الفرق، فذهب فساقها، فاللهم إن كنت تعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>