للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٠٩] باب هل كان الصحابة

يتبركون بمخلفات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يعلم ذلك فلا ينكره؟

سؤال: ... هل كان المسلمون يتبركون بالتفال ومخلفات الوضوء، وهل كان النبي يرضى بذلك؟

الشيخ: هذا سؤال هام، الواقع أن ذلك وقع ووقع على علم من الرسول عليه السلام وسكوت منه، ولكن هذا السكوت كان برهة من الزمن، ولم يستمر منه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولقد ظهر حكمة ذلك السكوت المؤقت واضحًا بينًا جليًا في صلح الحديبية، حيث أخذ المشركون يرسلون سفيرًا منهم- وما أريد أن أقول: رسولًا منهم، وإن كان هذا سائغًا من حيث العربية-فكلما أرسلوا سفيرًا منهم ليحادث الرسول عليه السلام ويفهموا ما يريد، كان يرى هذا السفير تلك المبالغة العجيبة التي لا يعرفونها في ملوك كسرى وقيصر، من تهافت الصحابة على وضوء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الماء الذي كان يتوضأ به وتبركهم به، فكان من آثار ما شاهدوا أو شهدوا أنهم عادوا إلى رؤوس قريش وقالوا لهم: صالحوا محمدًا فوالله لقد رأينا كسرى وقيصر فما رأينا أحدًا يُعظَّمهم كما أرينا أصحاب محمد يُعظِّمون محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعلى هذا جرى الصلح المعروف في صلح الحديبية.

فكان سكوت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على مثل تلك المبالغة في التبرك به عليه السلام من السياسية الشرعية الحكيمة، ولكنه لأنه طبع على ما وصف بحق في قوله تبارك وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: ٤) وكما قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» وكما قال في حديث آخر: «لا تنزلوني فوق منزلتي التي أنزلني الله فيها» (١) فهو تجاوب في نهاية


(١) السلسلة الصحيحة (٣/ ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>