كفره، لأن التوبة من الذنب عمل، والشرك يحبطه كما قال تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(الزمر: ٦٥) فكذلك قوله تعالى في الآية: {لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ}، أي من ذنوبهم، وليس من كفرهم.
وبهذا فسرها بعض السلف، فجاء في " تفسير روح المعاني " للعلامة الآلوسي (١/ ٦٢٤) ما نصه بعد أن ذكر بعض الأقوال المشار إليها: " وقيل: إن هذه التوبة لم تكن عن الكفر، وإنما هي عن ذنوب كانوا يفعلونها معه، فتابوا عنها مع إصرارهم على الكفر، فردت عليهم لذلك، ويؤيده ما أخرجه ابن جرير (١) عن أبي العالية قال: هؤلاء اليهود والنصارى كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفراً بذنوب أذنبوها، ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم، فلم تقبل توبتهم، ولو كانوا على الهدى قبلت، ولكنهم على ضلالة ". قلت: وهذا هو الذي اختاره إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى، فليراجع كلامه من أراد زيادة تبصر وبيان.
"الصحيحة"(٦/ ١/٩٩ - ١٠١).
[[٥٩١] باب منه]
"كان رجلٌ من الأنصار أسلمَ؛ ثم ارتدَّ ولَحِقَ بالشركِ؛ ثم تَنَدَّمَ، فأرسل إلى قومِهِ: سَلُوا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: هل له من توبةٍ؟ فجاء قومُهُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالوا: إنَّ فلاناً قد نَدِمَ، وإنّه أمَرَنا أن نسألك: هل له من توبةٍ؟ فنزلت:{كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ... } إلى قوله: {غَفُورٌ رَّحِيم}(آل عمران:٨٦ - ٨٩)، فأرسل إليهِ [قومُه]؛ فأَسلَم".
(١) أخرجه في تفسيره (٦/ ٥٧٩ رقم ٧٣٧٦ - ٧٣٨١) من طرق عن داود بن أبي هند عن أبي العالية بنحوه، والسياق المذكور لفقه الآلوسي من مجموع الطرق، فتنبه. [منه].