من غرائب هذا الزمان وعجائبه أن يتجرأ أحد الإباضيين وهو الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ويؤلف كِتَاباً سماه بغير اسمه:" الحق الدامغ "! انتصر فيه لمذهبه في إنكارهم رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، وقولهم بخلق القرآن، وبخلود أهل الكبائر في النار. وقد سلك فيه طريقة أسلافه من المعتزلة وغيرهم من أهل الأهواء في تأويل أدلة أهل السنة، وجعلها ظنية الدلالة أو الثبوت، فيقول مَثَلاً فيما كان من القرآن وأخرجه عن دَلَالَته الظاهرة على الأقل:" والدليل إذا اعتراه الاحتمال سقط به الاستدلال "! (ص ٥٠) وغيرها.
وأما ما استدل به هو من الآيات فتأولها؛ لتوافق مذهبه؛ كمثل تأويله لقوله تعالى:{وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة}؛ فإنه تأول قوله:{ناظرة} أي: منتظرة! ومع ذلك فهي عندهم قطعية! وفيما كان من السنة والحديث وتبين له أن التأويل غير ناجح فيه استعمل فيها معول الهدم، وهو قوله (ص ٦٢): " ومهما يكن فإن هذه الأحاديث آحادية، والآحادي لا تنهض به حجة في الأمور الاعتقادية ... "! شنشنة نعرفها من أخزم، يلهج بذلك أهل الأهواء والبدع في كل زمان، وبخاصة زماننا هذا الذي كثرت فيها الفرق والطوائف! (وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا)! وإن عجبي من هؤلاء لا يكاد ينتهي، يردون الاستدلال بالأحاديث الصحيحة بتلك الحجة الواهية، ومن جهة أخرى هم يستدِلّون بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، وما لا أصل له في السنة الصحيحة؛ بل وبالآثار الموقوفة الواهية، وكتاب الخليلي المذكور آنِفًا مشحون بما لا يصح من المرفوع والموقوف.