اقتضته وكون العالي فوق السافل لا يلزم أن يكون السافل حاوياً للعالي محيطاً به حاملاً له, ولا أن يكون الأعلى مفتقراً إليه, فانظر إلى السماء كيف هي فوق الأرض وليست مفتقرة إليها.
فالرب تعالى أعظم شأناً وأجل من أن يلزم من علوه ذلك, بل لوازم علوه من خصائصه, وهي حمله بقدرته للسافل وفقر السافل وغناه هو سبحانه عن السافل وإحاطته عز وجل به فهو فوق العرش مع حمله بقدرته للعرش وحملته, وغناه عن العرش وفقر العرش إليه وإحاطته بالعرش وعدم إحاطة العرش به وحصره للعرش وعدم الحصر للعرش له. وهذه اللوازم منتفية عن المخلوق.
ونفاة العلو أهل التعطيل لو فَصَّلوا بهذا التفصيل لهُدوا إلى سواء السبيل وعلموا مطابقة العقل للتنزيل, ولسلكوا خلف الدليل, ولكن فارقوا الدليل فضلُّوا عن سواء السبيل. والأمر في ذلك كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن قوله تعالى:{ثم استوى على العرش}(الأعراف: ٥٣) وغيرها: كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم, والكيف مجهول.
التعليق على متن الطحاوية" (ص٥٢ - ٥٣).
[[١٠٧٠] باب هل يلزم من نزوله تعالى خلو العرش منه؟]
[عن] علي بن خشرم حدثنا إسحاق قال: دخلت على ابن طاهر, فقال: ما هذه الأحاديث يروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ قلت نعم, رواها الثقات الذين يروون الأحكام. فقال: ينزل ويدع عرشه؟ فقلت يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ قال: نعم. قلت: فلم تتكلم في هذا؟