للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[٢٩٤] باب هل يعلم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الغيب؟]

[قال الإمام]:

الأمر عندنا معشر المسلمين ... أنه عليه السلام مميز على البشر بالوحي، ولذلك أمره الله-تبارك وتعالى-أن يبين هذه الحقيقة للناس فقال في آخر سورة الكهف: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وعلى هذا كان لكلامه - صلى الله عليه وآله وسلم - صفة العصمة من الخطأ لأنه كما وصفه ربه عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.

وليس هذا الوحي محصوراً بالأحكام الشرعية فقط، بل يشمل نواحي َ أخرى من الشريعة منها الأمور الغيبية، فهو - صلى الله عليه وآله وسلم - وإن كان لا يعلم الغيب كما قال فيما حكاه الله عنه: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: ١٨٧) فإن الله تعالى يُطلعه على بعض المغيبَات وهذا صريح في قول الله تبارك وتعالى: {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} وقال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا

بِمَا شَاءَ}.

فالذي يجب اعتقاده أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يعلم الغيب بنفسه، ولكن الله تعالى يُعلمه ببعض الأمور المغيبَّة عنا، ثم هو صلى الله تعالى عليه وسلم يظهرنا على ذلك بطريق الكتاب والسنة، وما نعلمه من تفصيلات أمور الآخرة من الحشر والجنة والنار ومن عالم الملائكة والجن وغير ذلك مما وراء المادة، وما كان وما سيكون، ليس هو إلا من الأمور الغيبية التي أظهر الله تعالى نبيه عليها، ثم بلَّغنا إياها، فكيف يصح بعد هذا أن يرتاب مسلم في حديثه لأنه يخبر عن الغيب؟! ولو جاز هذا للزم منه رد أحاديث كثيرة جداً قد تبلغ المائة حديثاً أو تزيد، هي كلها

<<  <  ج: ص:  >  >>