وغيرهم كانوا يقولون إنه خلق الكلام في محل فبدا الكلام من ذلك المحل. فقال السلف:" منه بدا " أي هو المتكلم به فمنه بدا لا من بعض المخلوقات كما قال تعالى: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم}(الزمر: ١){ولكن حق القول مني}(السجدة: ١٣){قل نزله روح القدس من ربك بالحق}(النحل: ١٠٢). ومعنى قولهم:"وإليه يعود": يرفع من الصدور والمصاحف فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف. كما جاء ذلك في عده آثار.
وقولهم " بلا كيفية ": أي: لا تعرف كيفية تكلمه به " قولاً " ليس بالمجاز " وأنزله على رسوله وحياً " أي: أنزله إليه على لسان الملك فسمعه الملك جبرائيل من الله وسمعه الرسول محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - من الملك وقرأه على الناس. قال تعالى:{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلا}(الإسراء: ١٠٦) وقال تعالى: {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين}(الشعراء: ١٩٣) وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى.
"التعليق على متن الطحاوية"(ص٢٤ - ٢٨).
[[١١٤٦] باب القرآن كلام الله والرد على من خالف ذلك]
[قال الإمام]:
إن من أكبر الفتن التي أصابت بعض الفرق الإسلامية بسبب علم الكلام أنه انحرف بهم عن الإيمان بأن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين حقيقةً لا مجازاً, أما المعتزلة الذين يقولون بأنه مخلوق فأمرهم في ذلك واضح مفضوح, لكن هناك طائفة تنتمي إلى السنة وترد على المعتزلة هذا القول وغيره مما انحرف فيه عن الإسلام ألا وهم الأشاعرة والماتريدية, فإنهم في الحقيقة موافقون للمعتزلة في قولهم بخلق القرآن وأنه ليس من قول رب العالمين, إلا أنهم لا يفصحون