والآخر: أن معنى" يعذب" أي: يتألم بسماعه بكاء أهله ويرق لهم ويحزن، وذلك في البرزخ، وليس يوم القيامة.
وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره، ونصره ابن تيمية وابن القيم وغيرهما.
قالوا:" ليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي عليه، والعذاب أعم من العقاب كما في قوله: " السفر قطعة من العذاب "، وليس هذا عقاباً على ذنب، وإنما هو تعذيب وتألم ".
وقد يؤيد هذا قوله في الحديث (٥، ٦): " في قبره ".
وكنت أميل إلى هذا المذهب برهة من الزمن، ثم بدا لي أنه ضعيف لمخالفته للحديث [السابق] الذي قيد العذاب بأنه " يوم القيامة "، ومن الواضح أن هذا لا يمكن تأويله بما ذكروا، ولذلك فالراجح عندنا مذهب الجمهور، ولا منافاة عندهم بين هذا القيد والقيد الآخر في قوله " في قبره "، بل يضم أحدهما إلى الآخر، وينتج أنه يعذب في قبره، ويوم القيامة، وهذا بين إن شاء الله تعالى.
الشيخ: هذا قد جرى خلاف بين عائشة وبين ابن عمر وغيره من الصحابة، فالسيدة عائشة رضي الله عنها أنكرت هذا الحديث، وقالت: إنما قال عليه السلام هذا الحديث بالنسبة لبعض اليهود كانوا يبكون على ميتهم، لكن علماء الحديث ما وافقوها على الإنكار؛ ذلك لأن الحديث:«إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه»