«إن الله تبارك وتعالى لا يقبل توبة عبد كفر بعد إسلامه».
[قال الإمام]:
أخرجه أحمد (٤/ ٤٤٦ و٥/ ٢ و٣) من طريق أبي قزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال: قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، واسم أبي قزعة سويد بن حجير. وفي لفظ له:" لا يقبل الله عز وجل من أحد توبة أشرك بعد إسلامه ". وتابعه عليه بهز بن حكيم عن أبيه به، إلا أنه قال:" عملا " مكان: " توبة ". أخرجه أحمد (٥/ ٥). قلت: وبهز ثقة حجة، لاسيما في روايته عن أبيه، وفيها ما يفسر رواية أبي قزعة، ويزيل الإشكال الوارد على ظاهرها، فهي في ذلك كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ}(آل عمران: ٩٠).
ولذلك أشكلت على كثير من المفسرين، لأنها بظاهرها مخالفة لما هو معلوم من الدين بالضرورة من قبول توبة الكافر، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى قبل الآية المذكورة:[كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم] إلى قوله: {أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين، خَالِدِينَ فِيهَا ... } إلى قوله: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيم}(آل عمران: ٨٧ - ٨٩) فاضطربت أقوال المفسرين في التوفيق بين الآيتين، وإزالة الإشكال على أقوال كثيرة لا مجال لذكرها الآن، وإنما أذكر منها ما تأيد برواية بهز هذه، فإنها كما فسرت رواية أبي قزعة فهي أيضا تفسر الآية وتزيل الإشكال عنها. فكما أن معنى قوله في الحديث:«لا يقبل توبة عبد كفر بعد إسلامه»، أي توبته من ذنب في أثناء