ثانياً: أن عمر صرح بأنهم كانوا يتوسلون بنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - في حياته، وأنه في هذه الحادثة توسل بعمه العباس، ومما لا شك فيه أن التوسليْن من نوع واحد: توسلهم بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وتوسلهم بالعباس، وإذ تبين للقارئ-مما يأتي-أن توسلهم به - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما كان توسلاً بدعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - فتكون النتيجة أن توسلهم بالعباس إنما هو توسل بدعائه أيضاً، بضرورة أن التوسليْن من نوع واحد.
أما أن توسلهم به - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما كان توسلاً بدعائه، فالدليل على ذلك صريح رواية الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح لهذا الحديث بلفظ:(كانوا إذ قحطوا على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - استسقوا به، فيستسقي لهم، فيسقون، فلما كان في إمارة عمر ... ) فذكر الحديث، نقلته من "الفتح"(٢/ ٣٩٩)، فقوله:(فيستسقي لهم) صريح في أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يطلب لهم السقيا من الله تعالى ففي "النهاية" لابن الأثير: "الاستسقاء، استفعال من طلب السقيا أي إنزال الغيث على البلاد والعباد، يقال: سقى الله عباده الغيث وأسقاهم، والاسم السقيا بالضم، واستقيت فلاناً إذا طلبت منه أن يسقيك".
إذا تبين هذا، فقوله في هذه الرواية (استسقوا به) أي بدعائه، وكذلك قوله في الرواية الأولى:(كنا نتوسل إليك بنبينا)، أي بدعائه، لا يمكن أن يفهم من مجموع رواية الحديث إلا هذا. ويؤيده:
ثالثاً: لو كان توسل عمر إنما هو بذات العباس أو جاهه عند الله تعالى، لما ترك التوسل به - صلى الله عليه وآله وسلم - بهذا المعنى، لأن هذا ممكن لو كان مشروعاً، فعدول عمر عن هذه إلى التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه أكبر دليل على أن عمر والصحابة الذين كانوا معه كانوا لا يرون التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعلى هذا جرى عمل السلف من بعدهم، كما رأيت في توسل معاوية بن أبي سفيان والضحاك ابن