وقد تكرر ذلك منهم مراراً كما سبق، وهم لا يتوسلون به - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا مرة واحدة، واستمر الأمر كذلك، فلم ينقل عن أحد منهم خلاف ما صنع عمر، بل صح عن معاوية ومن معه ما يوافق صنيعه حيث توسلوا بدعاء يزيد بن الأسود، وهو تابعي جليل، فهل يصح أن يقال: إن التوسل به كان اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟!
الحق أقول: إن جريان عمل الصحابة على ترك التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - عند نزول الشدائد بهم -بعد أن كانوا لا يتوسلون بغيره - صلى الله عليه وآله وسلم - في حياته-لهو أكبر الأدلة الواضحة على أن التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - غير مشروع، وإلا لنقل ذلك عنهم من طرق كثيرة في حوادث متعددة، ألا ترى إلى هؤلاء المخالفين كيف يلهجون بالتوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - لأدنى مناسبة لظنهم أنه مشروع، فلو كان الأمر كذلك لنُقِل مثله عن الصحابة، مع العلم أنهم أشد تعظيماً ومحبة له - صلى الله عليه وآله وسلم - من هؤلاء، فكيف ولم يُنقل عنهم ذلك ولا مرة واحدة، بل صح عنهم الرغبة عنه إلى التوسل بدعاء الصالحين؟!
الشبهة الثانية: حديث الضرير:
بعد أن فرغنا من تحقيق الكلام في حديث توسل عمر بالعباس رضي الله عنه، وبينا أنه ليس حجة للمخالفين بل هو عليهم، نشرع الآن في تحقيق القول في حديث الضرير، والنظر في معناه: هل هو حجة لهم أم عليهم أيضاً؟ فنقول:
أخرج أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: ادع الله أن يعافيني. قال:" إن شئت دعوت لك، وإن شئت أخّرتُ ذاك، فهو خير "، (وفي رواية:" وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك ")، فقال: ادعهُ. فأمره أن يتوضأ، فيحسن وضوءه، فيصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم