للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن شئت دعوتُ، وإن شئت صبرت فهو خير لك». وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: " إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه-أي عينيه-فصبر، عوضته منهما الجنة".

ثالثاً: إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله: (فادع) فهذا يقتضي أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا له، لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - خير من وفى بما وعد، وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق، فقد شاء الدعاء وأصر عليه، فإذن لا بد أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا له، فثبت المراد، وقد وجه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الأعمى بدافع من رحمته، وبحرص منه أن يستجيب الله تعالى دعاءه فيه، وجهه إلى النوع الثاني من التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، ليجمع له الخير من أطرافه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه وهذه الأعمال طاعة لله سبحانه وتعالى يقدمها بين يدي دعاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - له، وهي تدخل في قوله تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة} كما سبق.

وهكذا فلم يكتف الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بدعائه للأعمى الذي وعده به، بل شغله بأعمال فيها طاعة لله سبحانه وتعالى وقربة إليه، ليكون الأمر مكتملاً من جميع نواحيه، وأقرب إلى القبول والرضا من الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا، فالحادثة كلها تدور حول الدعاء-كما هو ظاهر-وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون.

وقد غفل عن هذا الشيخ الغماري أو تغافل، فقال في "المصباح" (٢٤): ("وإن شئتَ دعوتُ ".أي وإن شئت علمتك دعاء تدعو به، ولقنتك إياه، وهذا التأويل واجب ليتفق أول الحديث مع آخره).

قلت: هذا التأويل باطل لوجوه كثيرة منها: أن الأعمى إنما طلب منه - صلى الله عليه وآله وسلم - أن

<<  <  ج: ص:  >  >>