للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: أن عثمان بن حنيف لو ثبتت عنه القصة لم يُعَلَّم ذلك الرجل فيها دعاء الضرير بتمامه، فإنه أسقط منه جملة " اللهم شفعه في وشفعني فيه " لأنه يفهم بسليقته العربية أن هذا القول يستلزم أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - داعياً لذلك الرجل، كما كان داعياً للأعمى، ولما كان هذا منفياً بالنسبة للرجل، لم يذكر هذه الجملة؟ قال شيخ الإسلام (ص١٠٤): (ومعلوم أن الواحد بعد موته - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه-مع أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يدعُ له-كان هذا كلاماً باطلاً، مع أن عثمان بن حنيف لم يأمره ان يسأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شيئاً، ولا أن يقول: (فشفعه في)، ولم يأمره بالدعاء المأثور على وجهه، وإنما أمره ببعضه، وليس هناك من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شفاعة، ولا ما يظن أنه شفاعة، فلو قال بعد موته: (فشفعه في) لكان كلاماً لا معنى له، ولهذا لم يأمر به عثمان، والدعاء المأثور عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يأمر به، والذي أمر به ليس مأثوراً عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومثل هذا لا تثبت به شريعة، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في حسن العبادات أو الإباحات أو الايجابات أو التحريمات، إذ لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما يثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يخالفه ولا يوافقه، لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته ان يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول).

ثم ذكر أمثلة كثيرة مما تفرد به بعض الصحابة، ولم يتبع عليه مثل إدخال ابن عمر الماء في عينيه في الوضوء، ونحو ذلك فراجعه.

ثم قال: وإذا كان في ذلك كذلك، فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد موته من غير أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - داعياً له، ولا شافعاً فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعاً بعد مماته كما كان يشرع في حياته، بل كانوا في الاستسقاء في حياته

<<  <  ج: ص:  >  >>