الحقيقة المراد منه، سال الميزاب، يعني: سال ماء الميزاب، مثل {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}(يوسف: ٨٢) تمامًا، وهكذا أمثلة كثيرة يذكرها ابن تيمية.
منها مثلًا: جرى النهر، النهر هو الأخدود الذي يجري فيه الماء فحينما يقول العربي: جرى النهر، لا هو يعني جرى الأخدود نفسه بدون ماء ولا السامع منهم من العرب يفهم إلا الذي أراده، أي: جرى ماء النهر، إذًا: تسمية هذه التعابير بأنها مجاز يقول ابن تيمية: هذا خطأ، المجاز هو الذي يخرج المعنى الظاهر من العبارة إلى معنى آخر لوجود قرينة، لكن هنا لا معنى آخر إلا معنى واحد محدد هو اسأل القرية، يعني: أهلها .. سال الميزاب، أي: ماؤه .. جرى النهر، أي: ماؤه، من هنا يصل ابن تيمية إلى الرد على المتأخرين الذين يتأولون آيات الصفات وأحاديث الصفات باللجوء إلى ارتكاب طريق التأويل وهو سلوك طريق المجاز، لكن ما الذي يضطرهم إلى ترك فهم المعاني من هذه الآيات وتلك الأحاديث المتعلقة كلها بالصفات أن تفسر على حقائقها؟ لا سيما وهم يقولون جميعًا المتقدمون منهم والمتأخرون: الأصل في كل عبارة أن تفسر على حقيقتها.
فمثلًا قوله تبارك وتعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}(الفجر: ٢٢) لا، جاء ربك لا يجوز هذا الفهم، إذًا: جاءت رحمة ربك، جاء أي مضاف محذوف يقدمونه، وعلى ذلك فقس، نحن نقول: الحق كما نطق الحق في كتابه: {وَجَاءَ رَبُّكَ}(الفجر: ٢٢) لكن كيف يجيء؟ ما ندري.
وهذا البحث طرقه العلماء قديمًا وحديثًا، فنحن في مناسبة قريبة تعرضنا لمثله أيضًا، الخلاصة: أن الكلام العربي أول ما ينبغي أن يُفسَّر به هو على الحقيقة، فقوله عليه السلام:«إذا وضع الميت في قبره فإنه ليسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرين» على الحقيقة يسمع قرع النعال، بل أنا أقول خلاف ما قلت أنت: هو