الأمر الأول: أنه يعلم ذلك علمًا ذاتيًا، أما هذا العلم التجريبي فهو يُعلم بوسيلة من هذه الوسائل التي يخلقها الله تبارك وتعالى لمن يشاء من عباده كما ذكرنا، ففرق بين العلم الإلهي حيث أنه علم ذاتي:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}(الملك:١٤) فهو ليس بحاجة إلى وسيلة، بينما العباد هم بحاجة إلى أن يتعاطوا كل وسيلة من الوسائل التي يسخرها الله لهم فيطلعون بها على ما يكون عادًة خافيًا على سائر الناس الذين لا يتعاطون هذه الوسائل، فالتفريق بين العلم الذاتي بالغيب أمر ضروري جدًا ينبغي أن نستحضره دائمًا في مثل هذه المسائل التي تشكل على بعض الناس.
فإنكم تعلمون حقيقة علمية لا ريب فيها ولا شك وهي أن كثيرًا من الفلكيين يتنبئون على الكسوف والخسوف قبل أن يقع ليس بشهور ولا بسنة ولا بسنين وإنما هي عمليات حسابية دقيقة جدًا لما سخر الله كما ذكرنا للناس بها يتمكنون من أن يتنبئوا وأن يخبروا الناس بالكسوف والخسوف إلى ما بعد سنين طويلة، ثم إن نبئهم يحتوي عادًة على تفاصيل دقيقة بحيث يقولون: أن الخسوف في المنطقة الفلانية يكون خسوفًا كليًا .. في منطقة ثانية يكون نصفيًا .. في منطقة ثالثة يكون جزئيًا، وهكذا يُرى الخسوف في مكان كذا ولا يرى في مكان كذا إلى آخره، هل هذا الذي أصبح أمرًا ملموسًا لا شك فيه ولا ريب وليس هو كالمسألة التي وُجِّه السؤالُ حولها، الكسوف والخسوف هذا دائمًا نقرؤه في الجرائد ويقع ذلك، فهل هذا من العلم الغيب الذي تفرد الله تبارك وتعالى به كما في آيات كثيرة منها:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}(النمل: ٦٥)؟ الجواب: لا؛
لأن المقصود بالغيب هنا هو ما يتخيله كثيرًا ممن ينتمون إلى التصوف أو إلى الطرق حيث يذكرون في كتب هؤلاء بأن الولي الفلاني كان ينظر هكذا فيطلع