الكشف عن أسبابها الطبيعية لظنها الناس كشفاً صوفياً! فمن ذلك أنني كنت يوماً في حلقة الدرس أنتظر أن يكتمل الجمع، إذ قلت لمن عن يميني ـ وهو حي يرزق ـ بعد قليل يدخل فلان ـ لشاب سميته، فلم يمض سوى لحظات حتى دخل! فنظر إلى جليسي دهشاً كأنه يقول: أَكَشْفٌ؟ فقلت: لا بل هي الفراسة. ثم شرحت له سر المسألة، وذلك أن الشاب المشار إليه أعرف أن له دراجة عادية يأتي عليها إلى الدرس. وأعرف أيضاً أن الراكب لها إذ أرد النزول عنها أوقف تحريك رجليه إذا اقترب من المكان الذي يريد النزول عنده، وأنه عند ذاك يسمع منها صوت بعض مسنناتها، وكانت دراجة الشاب من النوع المعروف بـ «السباقية»، والصوت الذي يسمع منها عند النزول أنعم من الأخريات، وكان هو الوحيد الذي يركبها من بين الذين يحضرون الدرس عادة، فلما أراد النزول، وأوقف رجليه طرق سمعي ذلك الصوت، فعرفت أنه هو، وأخبرت جليسي به، فكان كذلك!
وقد اتفق لي مراراً ـ ويتفق مثله لغيري ـ أنني وأنا في صدد تقرير مسألة يقوم بعض الحاضرين يريد أن يسال، فأشير إليه بأن تمهل، فإذا فرغت منها قلت له: الآن فسل. فيقول: ما أردت السؤال عنه قد حصل! فأقول: أهذا هو الكشف؟! فمثل هذه الإجابة قد تقع تارة عفواً، وتارة بقصد من المدرس الذي بحكم مركزه قد ينتبه لما لا ينتبه له الحاضرون فيعرف من علامات خاصة تبدو له مِن الذي يريد السؤال ما هو سؤاله فيجيبه قبل أن يسأل! فيظن كثير من الناس أنه كشف أو إخبار عما يضمر في نفسه، وإنما هو الظن والفراسة، ويستغل ذلك بعض الدجالين فيلقون في نفوس مريديهم أنهم يطلعون على الضمائر، وأنهم يعلمون الغيب، فيتقبلون ذلك منهم ببساطة وسلامة قلب، حتى أن الكثير منهم لا يسافرون، ولا يأتون عملا يهمهم، إلا بعد موافقة شيخهم عليه، فكأنه عندهم (بكل شيء عليم). والله المستعان.