هذا مذهب الحنفية والماتريدية خلافاً للسلف وجماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم فإن هؤلاء زادوا على الإقرار والتصديق: العمل بالأركان. وليس الخلاف بين المذهبين اختلافاً صورياًّ كما ذهب إليه الشارح رحمه الله تعالى بحجة أنهم جميعا اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان وأنه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه. فإن هذا الاتفاق وإن كان صحيحاً فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفةً حقيقيةً في إنكارهم أن العمل من الإيمان لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص وأن زيادته بالطاعة ونقصه بالمعصية مع تضافر أدلة الكتاب والسنة والآثار السلفية على ذلك وقد ذكر الشارح طائفة طيبة منها (ص ٣٨٤ - ٣٨٧) ولكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة والنقصان وتكلفوا في تأويلها تكلفاً ظاهراً بل باطلاً ذكر الشارح (ص ٣٨٥)[٣٤٢] نموذجاً منها بل حكى عن أبي المعين النسفي أنه طعن في صحة الحديث " الإيمان بضع وسبعون شعبة ... " مع احتجاج كل أئمة الحديث به ومنهم البخاري ومسلم في " صحيحيهما " وهو مخرج في " الصحيحة "(١٧٦٩) وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم.
ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صوريًّا؛ وهم يجيزون لأفجر واحد منهم أن يقول: إيماني كإيمان أبي بكر الصديق بل كإيمان الأنبياء والمرسلين وجبريل وميكائيل عليهم الصلاة والسلام، كيف وهم بناءً، على مذهبهم هذا لا يجيزون لأحدهم - مهما كان فاسقاً فاجراً - أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، بل يقول: أنا مؤمن حقاً، والله عز وجل يقول: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين