الأول: أننا لا نجد في الحديث ما يعارض القاعدة المشار إليها، إذ ليس فيه أن عمل أبي طالب هو السبب في تخفيف العذاب عنه، بل السبب شفاعته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهي التي تنفعه، ويؤيد هذا، الحديث التالي: عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: «نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا (أي شفاعته) لكان في الدرك الأسفل من النار» ... فهذا الحديث نص في أن السبب في التخفيف إنما هو النبي عليه السلام، أي شفاعته - كما في الحديث قبله - وليس هو عمل أبي طالب، فلا تعارض حينئذ بين الحديث وبين القاعدة السابقة، ويعود أمر الحديث أخيراً إلى أنه خصوصية للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكرامة أكرمه الله تبارك وتعالى بها حيث قبل شفاعته في عمه وقد مات على الشرك، مع أن القاعدة في المشركين أنهم كما قال عز وجل:{فما تنفعهم شفاعة الشافعين}، ولكن الله تبارك وتعالى يخص بتفضله من شاء، ومن أحق بذلك من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سيد الأنبياء؟ عليهم جميعاً صلوات الله.
والجواب الثاني: أننا لو سلمنا جدلاً أن سبب تخفيف العذاب عن أبي طالب هو انتصاره للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع كفره به، فذلك مستثنى من القاعدة، ولا يجوز ضربها بهذا الحديث كما هو مقرر في علم أصول الفقه، ولكن الذي نعتمده في الجواب إنما هو الأول لوضوحه. والله أعلم.