وتابعه القاضي عياض على تقرير هذا الإشكال. واستضعف ذلك النووي فقال:" والصواب الذي عليه المحققون، بل نقل بعضهم فيه الإجماع أن الكافر إذا فعل أفعالا جميلة كالصدقة وصلة الرحم، ثم أسلم، ثم مات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له، وأما دعوى أنه مخالف للقواعد، فغير مسلم، لأنه قد يعتد ببعض أفعال الكفار في الدنيا ككفارة الظهار، فإنه لا يلزمه إعادتها إذا أسلم وتجزئه " انتهى.
ثم قال الحافظ: والحق أنه لا يلزم من كتابة الثواب للمسلم في حال إسلامه تفضلاً من الله
وإحساناً أن يكون ذلك لكون عمله الصادر منه في الكفر مقبولاً. والحديث إنما تضمن كتابة الثواب، ولم يتعرض للقبول، ويحتمل أن يكون القبول يصير معلقاً على إسلامه، فيقبل ويثاب إن أسلم، وإلا فلا. وهذا قوي. وقد جزم بما جزم به النووي: إبراهيم، الحربي وابن بطال، وغيرهما من القدماء، والقرطبي وابن المنير من المتأخرين.
قال ابن المنير: المخالف للقواعد، دعوى أن يكتب له ذلك في حال كفره، وأما أن الله يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه مما كان يظنه خيراً، فلا مانع منه كما لو تفضل عليه ابتداء من غير عمل، وكما تفضل على العاجز بثواب ما كان يعمل وهو قادر، فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمل البتة جاز أن يكتب ثواب ما عمله غير موفى الشروط. واستدل غيره بأن من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرتين كما دل عليه القرآن والحديث الصحيح، وهو لو مات على إيمانه الأول لم ينفعه شيء من عمله الصالح، بل يكون هباء منثوراً، فدل على أن ثواب عمله الأول يكتب له مضافا إلى عمله الثاني، وبقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما سألته عائشة عن ابن جدعان وما كان يصنعه من الخير: هل ينفعه؟ فقال: «إنه لم يقل