الله حرف لفظ وصوت كما يقول السلف، وإنما هم يلتقون مع المعتزلة في إنكار هذه الحقيقة، ولكن يختلفون عن المعتزلة بأنهم يفسرون الكلام الإلهي بما يعود إلى العلم، ولذلك حينما يردون على المعتزلة ويقولون لهم: لماذا أنتم تقولون: كلام الله مخلوق، أليس يقدر ربنا تبارك وتعالى على تفهيم موسى كلامه تبارك وتعالى؟! لا يقولون: أليس الله بقادر على أن يسمع كلامه موسى، وهو قال له:{فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}(طه:١٣)، فيدعون هذه الوصفة المتعلقة بالكلام الله الإلهي، نأخذ من هذه الآية الصريحة:{فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}(طه:١٣) ما يقولون المعتزلة: أليس الله بقادر أن يسمع كلامه وصوته لموسى، وإنما يقولون: أليس الله بقادر أن يفهم كلامه فأعادوا صفة الكلام إلى العلم كما يمكن أن يقال: أليس الله عز وجل بقادر على أن يعلم موسى الألواح.
فعند المعتزلة الألواح التي أنزلها الله على موسى عليه السلام وعبر عنها بقوله تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}(النساء:١٦٤) يقولون صراحة: ليس الله هو الذي تكلم، وليس الله هو الذي قال:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}(طه:١٤) وإنما الشجرة هي التي نطقت، فالله لا يتكلم ولا يتلفظ.
الماتريدية والأشاعرة يلتقون معهم في الحقيقة لكن يسمون الكلام الإلهي الثابت في القرآن بأنه كلام نفسي، لا يخرج .. لا يسمع .. لا يقرأ ونحو ذلك، فهذا ينبغي أن يكون في ذهننا: أن السلف يختلفون عن الفرق الأخرى في اتفاقهم على القاعدة وهي: تنزيه مع الإثبات، أما الآخرون فتأويل الذي هو التعطيل مع التنزيه، فلم يفدهم شيء التنزيه مع التأويل الذي يصاحبه في كثير من الأحيان التعطيل، وما أحسن ما قال ابن القيم رحمه الله، ولعله نقله عن شيخه ابن تيمية:"المعطل يعبد عدمًا، والمجسم يعبد صنمًا"، وهذه حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها.