للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربية فأنقذ الله بهِ عباده هناك، ثم سَرَت يقظته هذه إلى البلاد الإسلامية الأخرى لكن بنسب متفاوته وقليله جداً، فمن كان غريباً هنا من الأعاجم أو العرب فهو يسمع ليل نهار عقيدة التوحيد، وأن الله على العرش استوى، وأن استواءه معلوم لغةً وهو الاستعلاء، وأن الكيف مجهول، وأن السؤال عن كيفية الأستواء بدعة، فهذا لا يكون معذوراً لأنه قد وجد في جو يشبه جو تلك الجارية، من أين عرفت الجارية العقيدة؟ من المجتمع التي عاشت فيه فسيدها وسيدتها وأبناؤهما كلهم ينطقون بالعقيدة الصحيحة، فلماذا هي لا تكون كذلك عقيدتها صحيحة، وهذا مما يفسر به قوله عليه الصلاة والسلام وهو من أنباء الغيب: «إن الله ليعجب من أقوامٍ يجرون غلى الجنة في السلاسل، إن ربك ليعجب من أقوام يجرون إلى الجنة بالسلاسل»، كيف هذا؟! إشارة عظيمة جداً من نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الفتوحات الإسلامية التي ستقع من بعد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويأتون بالأسرى مغللين في الأصفاد فيعاشرون المسلمين وهم عبيد أرقاء لكن رقهم هذا سينقلب نعمة ما بعدها نعمة عليهم، فإنهم قد كانوا من قبل وهم أحرار في بلادهم يسمعون عن الإسلام كل سيئة بسبب القساوسة والرهبان والجهال وما شابه ذلك من الذين يذيعون السوء عن الإسلام والأفكار والعقائد السيئة، فلما ابتلاهم الله ووقعوا في الأسر وسيقوا إلى بلاد الإسلام بالأغلال عاشوا مع المسلمين عن كثب وعن قرب واطَّلعوا أولاً على عقائدهم وعلى عبادتهم ثم على سلوكهم وأخلاقهم فوجدوها من أحسن ما يمكن أن يوجد على وجه الأرض، فكان ذلك سبباً لدخولهم في الإسلام اختيارا وليس اضطراراً، فدخلوا الجنة أي بسبب إسلامهم وهم قد سيقوا من قَبل بالأغلال.

فهذه البلاد إذاً من كان فيها من الغرباء سواء من العرب أو الأعاجم فلا يعذر بجهله؛ لأنه استمر في جهله، فمعنى ذلك أنه مكابر ومعاند لأنه قد أقيمت الحجة

<<  <  ج: ص:  >  >>