الجاهلية وهو في النار، نحن نقطع فوراً أن هذا بلغته الدعوة، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}(الإسراء:١٥)، ولا يخفاكم أن هذه الآية تعني أيضاً رسولاً إما مباشرةً وإما بدعوته، فإذا سلفت هناك أحاديث مثل حديث:«إن أبي وأباك في النار» يحكم على ناس ماتوا في الجاهلية قبل بعثة الرسول عليه السلام، فذلك يعني تماماً أن هؤلاء بلغتهم دعوة التوحيد، ولذلك جحدوا بها، كما قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}(النمل:١٤).
اليوم كما أشرتم، أمم في الشمال القطب الشمالي، القطب الجنوبي، بل أوروبا، بل أمريكا إلى آخره، لا يعرفون عن الإسلام شيئاً، والحقيقة كما يقال: إن أنسى فلن أنسى، وأول لقاء كان بيني وبين بعض الأساتذة في الجامعة (١) لأول سنة أظن، في نفس الجامعة في جماعة من أهل العلم ومحمد أمان تذكره جيداً، أثيرت هذه القضية، وأنا بينت وجهة نظري باختصار حسب ما سمعتم بشيء من التفصيل، قال الشيخ المشار إليه بأنه ما نستطيع أن نقول أنه لم تبلغهم الدعوة اليوم الأوربيون والأمريكيون ونحو ذلك؛ لأنه ما شاء الله الآن القرآن يتلى في الإذاعات ليلاً نهاراً، قلنا له: يا شيخ، الله يهدينا وإياك العرب لا يفهمون الكلام هذا حتى يفهمه الأعاجم، فإذا قلت للأعجمي، قل:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ}(الإخلاص:١ - ٢)، سيقولها ولكن بشيء من الصعوبة، لكن هل يعلم أن هذا يهدم الصليب والمعبود بالباطل، لا يدري ولا يفقه أي شيء.
فإذاً: ليس المقصود ببلوغ الدعوة ألفاظها، وإنما المقصود معاني الدعوة وحقائقها.